الأحد، 7 فبراير 2010

الجنس لقاءٌ لا لقاح

الأذن تعشق قبل العين أحياناً.. نستطيع أن نلخص كيفية تعامل المرأة مع الجنس فى هذه الحكمة الشعرية، فالأذن هى البوابة الملكية لعبور محيط المشاعر الأنثوية، وبما أن مدخلنا كان الشعر فلابد أن يسترعى انتباهنا أن أكبر الأغراض الشعرية التى كتب فيها العرب هو الغزل، عفيفه وصريحه، عرفوا أن الغزل هو الدينامو الذى يحرك أحاسيس المرأة، هو يورانيوم مفاعل العواطف والأشجان والمشاعر، التى نتمنى ألا تكون من أسلحة الدمار الشامل!!.

الرجل يطل من نافذة العين على عالم الجنس، يهمه الشكل والملامح والتقاطيع، المرأة تعشق الصوت وكلام الغزل ودفقات الحنان وحضن الحميمية الدافئ.

المرأة كائن مرعوب من النسيان واللامبالاة، عندما يسهو الرجل عنها بعض الوقت تفسر هذا وتترجمه فورياً كقرار هجر وبداية رحيل ونواة خيانة وعزم على فك الارتباط!، المرأة تريد الفضفضة على صدرك وفى حضنك، وإذا لم تحتمل هذه الفضفضة ووصفتها بأنها ثرثرة فارغة فأنت تطعنها فى كبريائها وأنوثتها، إذا كنت من عشاق الصمت فأرجوك تخل عن صمتك، وضح بكهفك الخاص، واسكن البراح واستعر أذنين إضافيتين، وأنصت باهتمام لفضفضة شريكة الحياة ورفيقة الدرب، فهى لا تسعى لحلول سحرية من حضرتك وإنما تسعى لشىء واحد هو الأمان فى اهتمامك.

يظل الجنس لدينا خبرة سرية تفتقد الوضوح والبيان الإنسانى، فيظل كل منا يبحث عن مفتاح شفرة قفل خزانة هذا الغموض طيلة حياته، دون أن يعرف حقيقة الجنس نفسه كأجمل وأرق وأصدق خبرة إنسانية فى الوجود، ولأننا نعيش بمنطق «أهى عيشة والسلام» فنحن مجرد ممارسين للعيشة لا الحياة، والحياة شىء مختلف عن مجرد العيشة، فالحياة هى نزول إلى آبار الصدق والحميمية أما العيشة فهى السطح والقشرة، العيشة تتطلب فقط تلبية الحاجة البيولوجية التى من الممكن أن تتوفر لقطط الشوارع البائسة، ونحن العرب أفضل البشر فى الكون تفنناً فى العيشة وابتعاداً عن الحياة.

معظمنا يتعامل مع الجنس على أنه أداة تلقيح وماكينة إنجاب ومفرخة تناسل!!، وبرغم أن الجنس لقاء لا لقاح، فإننا مازلنا نغفل بديهيات هذا اللقاء وآدابه، وبرغم أن شعرنا العربى يؤكد على أنه كلام فسلام فلقاء، فإننا مازلنا ننكر الكلام والسلام واللقاء ونقتحم باب الجنس دون استئذان أو تمهيد.

اللقاء له إتيكيت إنسانى، أما اللقاح فله غريزة حيوانية، فنحن نفترق عن الحيوان أننا لا نملك مواعيد محددة للجماع أو ما يطلق عليه فى علم الحيوان موسم التلاقح، وهى مواسم منضبطة جداً يتجه فيها ذكور القطيع أوتوماتيكياً إلى الأناث ويتم الجماع والسفاد والإخصاب.

اللقاء يعنى مواجهة وحواراً، فى الجنس ننفرد ونتميز عن الحيوانات بأننا نرى ملامح بعضنا البعض أثناء الجنس، الرفيق يرى الفرحة ويراقب البهجة ويحس النشوة فتنتقل إليه كهرباء التفاعل، ومن الممكن أن يلاحظ ألماً وصدوداً وهجراناً بل تمثيلاً، فيفهم أنه راسب فى اختبار الحب، وعليه أن يطور أدواته الإنسانية، ويعدل من مفاهيمه الجنسية، ويفهم أنه يلتقى ولا يلقح، ويعى أنه يضع بذرة المحبة قبل أن يضع بذرة الإخصاب.

اللقاء لغة، والجنس لغة، والجنس الأخرس جريمة، فالكلام هو الموسيقى التصويرية لدراما الجنس، هل تتصور فيلماً درامياً دون موسيقى تصويرية، سيتحول حتماً إلى جثة بلا روح.

اللقاء الجنسى حياة فى حياة، أما اللقاح الجنسى فهو لحم فى لحم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق